top of page

الاحتراق البشري الذاتي: حقيقة أم خيال؟

على مر العصور والأزمان، تم تم تلقي المئات من البلاغات عن حالات الاحتراق البشري الذاتي، وبعضها قد تم توثيقها بالفعل. لكن، هل هذا ممكن حقاً؟

الاحتراق البشري الذاتي
صورة تعبيرية

في 22 ديسمبر من العام 2010 في إيرلندا، تم العثور على مايكل فهرتي والذي يبلغ من العمر حينها 76 عاماً متوفياً في منزله الواقع في مدينة غالواي. الشيء الغريب في قصته أنّه وُجد جسده فقط محروقاً بالكامل.


حينها، لم يجد المحققون أي مصدر للنار بالقرب منه ولا أي علامات تدل على أنّه قد عبث بالنار أو حاول احراق نفسه، حتّى المدفأة القريبة التي كانت بجانبه تم استبعادها من الشبهات. لم يكن هناك سوى جسد فهرتي المحروق مع بعض آثار الحريق على السقف من فوقه والأرض من تحته ولم يستطع أحد تفسير ما حدث للرجل العجوز.


بعد العديد من محاولات دراسة ومعرفة ما جرى لفهرتي، لم يجد الطبيب الشرعي سوى تفسير واحد وهو أنّ جسمه قد احترق ذاتياً وعلى ذلك أغلقت القضية وانتهى الجدال في أمره. يرى الكثيرون أن هذه الظاهرة هي من عمل السحر والشعوذة وينظرون إليها بالكثير من الخوف والرهبة، متسائلين في قرارة أنفسهم، هل من الممكن أن يحدث هذا فعلاً؟


ما هو الاحتراق البشري الذاتي؟


يعود هذا المصطلح إلى القرن الثامن عشر ميلادي، وقد ذُكر هذا المصطلح عن طريق بول رولي، الحاصل على الزمالة في الجمعية الملكية في لندن التي تعد أقدم أكاديمية علمية في العالم موجودة إلى يومنا هذا.


وصف رولي ظاهرة الاحتراق البشري الذاتي بأنها "عملية يشتعل فيها جسم الإنسان نتيجة للحرارة الناتجة عن نشاط كيميائي داخلي، ولكن دون دليل على وجود مصدر خارجي للاحتراق".


في ذلك الوقت، اكتسبت هذه الفكرة شعبية هائلة، وأصبح باعتقاد النّاس أن الاحتراق البشري الذاتي هو مصير مدمني الكحول في العصر الفيكتوري، وقد أشار العديد من الروائيين في ذلك الوقت إلى هذه الظاهرة في قصصهم ورواياتهم مثل تشارلز ديكينز في روايته "Bleak House" التي صدرت في عام 1853.


رغم ذلك، ظل المجتمع العلمي ينظر إلى ظاهرة الاحتراق البشري الذاتي بعين الشك، بالرغم من وجود نحو 200 حالة موثّقة تم الإبلاغ عنها في جميع أنحاء العالم.


حالات موثّقة عن الاحتراق الذاتي الداخلي


أول حادثة موثقة للاحتراق الذاتي الداخلي سُجلت في مدينة ميلانو الإيطالية أواخر القرن الرابع عشر، وذلك عندما اشتعلت النيران بشكل مفاجئ بفارس يُدعى بولونوس فورستيوس أمام والديه. كما هو الحال الشائع حينها، فقد ألقي باللوم مباشرةً على شرب الكحول، حيث أنه قيل أنّ فورستيوس كان قد شرب عدّة أكواب من النبيذ القوي جداً وهو ما أدى إلى احتراقه.


في حادثة أخرى كانت في عام 1745 م، وحدثت للكونتيسة كورنيليا زانغاري دي باندي من مدينة تشيزينا الإيطالية. قالت خادمتها أنّ الكونتيسة ذهبت للنوم مبكراً ذلك اليوم، وعندما ذهبت الخادمة في صباح اليوم التالي لتفقدها، وجدتها عبارة عن كومة من الرماد ولم يبقى منها سوى رأسها المحروق بشكل جزئي وبقايا أقدامها المغطاة بالجوارب. ورغم أنّه كانت هناك شمعتان في غرفة الكونتيسة، إلا أنهما بقيتا سليمتان في مكانهما ولم تلمس الكونتيسة ولم تتأثرا بالنار.


لن تتوقف أحداث الاحتراق الذاتي الداخلي، وستبقى موجودة على مسوى العالم لمئات السنين القادمة. إلى الآن لم يستطع االعلماء تفسير الوفيات بطريقة أخرى ولم يجدوا تفسير نهائي ينهي الجدل حول حوادث الاحتراق الذاتي.


أوجه التشابه بين الضحايا متقاربة بشكل كبير جداً، حيث أن الجسد يحترق وما يلمسه مباشرةً فقط، والنار لا تصل إلى الأشياء المحيطة بالضحية أبداً، وعادةً، يحترق الجسم كاملاً عدا الأطراف تبقى سليمة. لكن، لا يزال العلماء متمسكون بأن هذه الظاهرة ليست غريبة كما يبدو.


بعض التفسيرات المحتملة


على الرغم من فشل المحققين في تحديد سبب محتمل للحوادث التي عاينوها، إلا أن المجتمع العلمي لا يزال غير مقتنع بأن الاحتراق الذاتي الداخلي يحدث نتيجة عن سبب داخلي في الجسم أو بشكل تلقائي إن صح التعبير.


يقول الخبراء في هذا المجال أن النار لها حدود لمدّة اشتعالها، وتنطفئ من تلقاء ذاتها عند نفاد الوقود، وفي حالتنا، الدهون في جسم الانسان هي الوقود.


وبالنظر أن النار تشتعل للأعلى عادةً، فإن رؤية جسد محترق بشدة داخل غرفة لم تتأثر بشكل عام من هذا الحريق لا يمكن تفسيره، لكن يجب أن نتذكر أن الحريق لا يتحرك أفقياً ما لم يتأثر بمصدر آخر مثل الرياح لدفعها.


إحدى الحقائق العلمية عن النّار هي نظرية "تأثير الفتيل"، وهي الطريقة التي يحترق بها الشمع، حيث أن النّار تشتعل في الفتيل لتحرق مادة الشمع -وهي مادة قابلة للاشتعال- لضمان استمرار احتراق الفتيل.


يوضّح هذا المثال كيف يمكن لجسم الإنسان أن يعمل مثل الشمعة، بحيث أن الملابس والشعر هي الفتيل، ودهون الجسم هي مادة الشمع القابلة للاشتعال. عندما يحترق جسم الإنسان، تقوم النار بإذابة الدهون تحت الجلد لتصل إلى الملابس. يعمل الإمداد المستمر من الدهون "المادة القابلة للاشتعال" إلى الملابس "الفتيل" بالحفاظ على ابقاء النار مشتعلة و بدرجات حرارة عالية حتّى لا يبقى شيء للاحتراق وتنطفئ من تلقاء نفسها. النتيجة النهائية لهذا الحريق هو عبارة عن كومة من الرماد تشبه ما شوهد في حالات الاحتراق الذاتي الداخلي المزعوم.


السؤال الذي يدور في ذهنك حالياً هو، كيف تبدأ هذه الحرائق؟ لم يترك العلماء هذا السؤال دون إجابة أيضاً. يشير العلماء إلى أن معظم ضحايا الاحتراق الذاتي هم من فئة كبار السن، وكانو يجلسون أو ينامون بمفردهم بالقرب من مصدر للاشتعال.


بارجوع إلى الأحداث الموثقة تاريخياً، سنجد أن معظم الحالات كانت بالقرب من مدفئة أو سيجارة، كما أن العديد منهم قد شوهدوا آخر مرة ومعهم الكحول، مما يعني أنهم ربما شربوا بما فيه الكفاية لعدم تركيزهم بما كانو يفعلون.

بالرجوع إلى تفسير الفكتوريون للاحتراق الداخلي، حيث أنهم اعتقدوا الكحول تتسبب بتفاعل كيميائي داخلي يؤدي إلى الاحتراق الذاتي أو حتّى فسّروه بأنه غضب من الله، إلا أن التفسير الأكثر توافقاً مع المنطق هو أن من احترق كان فاقداً للوعي لا أكثر.


وفي تفسير آخر أكثر تعمّقاً يشير أيضاً إلى أن كبار السن هم الأكثر تعرضاً لحالات الاحتراق الداخلي، ويشير التفسير إلى أن كبار السن أيضاً هم الأكثر عرضةً للنوبات أو السكتات القلبية، وهذا ما يعني اسقاطهم للسيجارة أو مصدر اشتعال آخر من يدهم عليهم، وهذا يعني أن الجثث التي احترقت كانت ربما ميتة بالفعل. أيضاً، معظم حالات الحتراق الذاتي حدثت دون وجود شهود عيان، وهذا ما يعني أن الاحتراق قد يكون نتيجة للسُكر أو النعاس أو حتّى الوفاة. مع عدم شخص آخر مرافق، سيستمر الحريق ولن يوقفه أحد ليُبقي خلفه فقط كومة من الرماد الغير قابل للتفسير.


في النهاية الغموض والأساطير دوماً ما تثير التكهنات ويكثر المتحدثون فيها وفي تفسيرها، إلّا أن ظاهرة الاحتراق الذاتي الداخلي هي مجرد دخان من غير نار.



مدى رضاك عن المحتوى
لا يعجبنييحتاج الكثير من التعديلجيد، بعض التعديلات فقطأعجبنيأحببته بشدة
bottom of page